للتحميل: أعداد مجلة العصور الجديدة (إلحادية)



في تسيعنيات القرن العشرين كانت تصدر مجلة مصرية ثقافية إلحادية متميزة تنتقد الخرافات بالمنهج العلمي وترفع راية التنوير بقدر ما استطاعت، هي مجلة العصور الجديدة التي سموهاكذلك تيمنًا وعلى خطى مجلة العصور (العتيقة) للأستاذ إسماعيل مظهر، وقد عثرت على الكثير من أعداها بمكتبة الأخ (غاوي حكمة) أو "عم سعيد" الكاتب الفيلسوف بموقع اللادينيين العرب المغلق الآن، وقد قمت بتصوير مكتبة الصديق الأكبر مني سنًّا ومنها تلك المجلات المرجعية الرائعة وبها كشف لأصول الأساطير وتفنيد وأشياء تقدمية كثيرة وفكر علماني وإلحادي وليبرالي واشتراكي وتنوعات من الفكر الغربي بتياراته، فهذه هي الروابط وهي لم تكن متوفرة على النت قبل ذلك.

  








كتب عنها حازم أبيض

 "العصور الجديدة" : مجلة مصرية تخوض مغامرة الحرية  

سؤال يسأله المرء كلما وقعت بين يديه مجلة جديدة: هل ثمة إضافة يمكن أن تحققها هذه المجلة؟ سؤال يلح على ذهن القارئ كثيراً وهو يتصفح العدد الأول من مجلة "العصور الجديدة" التي صدرت أخيراً عن دار العصور الجديدة. وفي هذا العدد أكثر من اجابة عن ذلك السؤال "الشائك"، وأولى هذه الاجابات تحملها الكلمة الافتتاحية للمحرر مهدي مصطفى الذي يشير إلى أن المجلة صدرت لكي لا تتحول الى فلكلور ومتحف في معرض العالم، وخاصة في ظل اللحظة الجديدة التي تعاصرها والتي يتشكل العالم فيها من جديد وهي لحظة تبدو عنده في حاجة الى جرأة في تأملها من دون خوف منها"، على أن التأمل وحده لا يكفي إذ تسعى مغامرة "العصورالجديدة" بحسب بيانها التحريري تهدف الى أن "تتحقق كمنبر للغائب بين سطور الماضي والحاضر معاً" غير أنها ازاء السعي الى ذلك "تتوسل شعاراً يؤكد على حرية الفكر، حرية المعتقد، حرية النشر" وهو الشعارالذي يتقاطع مع شعار "العصورالقديمة" التي اصدرها اسماعيل مظهر عام 1927 في مصر وجعل شعارها "حرر فكرك من كل التقاليد".
وبخلاف هذا البيان الافتتاحي تشمل المجلة ثمانية ابواب متخصصة، اولها "جامع الفراشات" وفيه يترجم احمد عمر شاهين مقالاً لايمانول ارسان عن الفحش المحافظ والثورة الجنسية، ويكتب رضا هلال عن الدين والسياسة في اميركا. وفي الباب الثاني الذي حمل عنوان "عقائد قديمة.. عقائد جديدة" يكتب كل من احمد عثمان وفيصل الخيري احمد الدبش وهالة العوزي عدداً من المقالات تناقش في مجملها عدداً من القضايا المرتبطة بالتراث العبراني وصلته بالتراث العربي، وتحت عنوان "أشباح جديدة" تنشر المجلة النص الكامل لندوة عقدتها هيئة تحريرها مع الباحث احمد عثمان حول رؤاه التي يطرحها في دراساته التاريخية والتي تشير الى أن ثمة علاقة بين موسى واخناتون.
ويحمل باب الابداعات اسم "العصب العاري" ويتضمن نصوصاً بعضها مترجم والبعض الآخر خلاف ذلك، على أن ثمة ملاحظة مهمة وهي التفات المجلة الى نصوص الشاعر الكردي شيركوبيكة.س وترجمتها الى العربية، وهي نصوص لافتة بقدرتها الشعرية وبنائها المكثف. هذا إضافة الى نصوص المبدعين والكتاب المصريين من مختلف الاجيال ودراسة لأحمد فؤاد سليم حول "زمن البيوتكنولوجيا في الفن التشكيلي".
وتحيي المجلة ابواب الكتابة الاستطلاعية التي غابت الآن عن معظم المجلات العربية، ففي باب يحمل اسم "بلد تحت الشمس" يكتب القاص المصري ابراهيم فرغلي مقالاً استطلاعياً مهماً عن سلطنة عمان وأطياف التاريخ، ويطرح سؤالاً جديداً عن سر غياب الرواية عن ساحة الإبداع العماني وهو غياب يبحث الكاتب عن أسبابه من خلال استعراض لافت لتاريخ عمان وتجليات ذلك التاريخ في الممارسة الاجتماعية والسياسية داخل السلطنة، فيما يكتب فيصل الخيري عن مدينة "عسقلان" التي دفعت الثمن الفادح من تاريخها زمن الحروب الصليبية بعد أن حولتها سياسات صلاح الدين الايوبي العسكرية الى "خرابة" التهمت تاريخها.
ويبدو أن انشغال المجلة بالترجمة هو هم أساسي من همومها بحثا عن التميز الذي يحقق الحضور الفاعل عبر التفاعل مع المستجدات الفكرية العالمية، وفي ضوء هذا الفهم تترجم المجلة في باب يحمل عنوان "الآخر" نصين مهمين من نصوص مدارس ما بعد الاستعمار، الاول للكاتب الهندي هومي بابا يحمل عنوان "الهوية المغتالة"، وهو جزء من كتابه المعروف "موقع الثقافة" ويناقش النص اشكالية الازدواج الثقافي التي يعانيها البعض وخاصة ابناء العالم الثالث المقيمين في أوطان غريبة بعيداً عن بلدانهم الاصلية. أما الثاني فهو نص من كتاب "ما بعد الحداثة والاسلام" للكاتب الباكستاني اكبر أحمد، ويناقش في وجه الدقة تفاعلات المجتمعات الاسلامية مع المفاهيم التي طرأت أخيراً مثل "العولمة" و"الكوكبة وما بعد الحداثة"، مستعرضاً أشكال المواجهة بين الغرب وهذه المجتمعات. وفيما أرى تقدم المجلة اكتشافاً لافتاً يتمثل في النص الفريد الذي نشرته للكاتبة اليمنية ابكار السقاف 1913 - 1989 تحت عنوان "المسكوت عنه"، والنص في الأصل جزء من كتابها "نحو آفاق أوسع .. المراحل التطورية للانسان"، وما يجعل هذا النص اكتشافاً حقيقياً كونه ينصف جهد باحثة ظلت انجازاتها "غائبة" من التاريخ الثقافي العربي لعوامل يستعرضها المحرر العام في تقديمه النص الذي قد يكون باباً جديداً لاكتشاف بقية الملامح المكونة للمشروع الفكري لابكار التي كتبت عدداً من الكتب المهمة والتي لم تنشر بعد عن بعض الانبياء وسيرة ذاتية لم تكتمل. وخلاف هذا الباب تضمن العدد مقالات لوائل عبدالفتاح وايناس حسني وحسين العونيرات عن خريف المثقفين والعولمة وتكريس النمط الغربي والمرأة العربية على أبواب الألفية الثالثة.
وبعيداً عن تبويب المجلة وإخراجها الفني المتميز - الذي صممته ايناس حسني - يلفت النظر حقاً أن هيئة تحرير المجلة "جمعت بين اسماء راسخة مثل المفكر سمير أمين جنباً الى جنب مع اسماء ينتمي معظمها الى جيل الثمانينات والتسعينات وهي ملاحظة قد تفسر جانباً من جوانب حيوية المجلة، إضافة الى قدرتها على تجاوز الثغرات الاقليمية، حين استطاعت ان تجمع في عدد واحد مساهمات تحريرية لكتاب عرب من مصر وسورية وفلسطين، وكلها أمور تحسب للمجلة التي تأخذ عليها فقط الإصرار الواضح على أن ثمة علاقة جوهرية ترتبط بين مشروعها ومشروع "العصور" التي أصدرها اسماعيل مظهر في عشرينات هذا القرن، وهو ربط تعسفي في ما نظن لأنه يسقط من اعتباره السياق التاريخي المغاير في التجربتين، اضافة الى أنه يبدو مخالفاً للأعراف المهنية المتعبة في هذاالشأن، لأن لا علاقة قانونية بين الإصدارين تبرر الإصرار على التأكيد في التلاقي الخارجي على أن هذا العدد يمثل الإصدار الثاني للعصور وهو مأزق حقيقي للمجلة لأنه يرغمها على خوض معركة الحاضر والمستقبل، مستندة بالاساس الى أسلحة الماضي وشعاراته على رغم ان المواد التحريرية المنشورة بالعدد تعكس ثقة حقيقية في قدرة محرريها على خوض المغامرة للنهاية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.